فصل: سئل عن رجل تزوج بامرأة ما ينتفع بها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


 وسئل ـ رحمه الله ـ عمن يتحدث بين الناس بكلام وحكايات مفتعلة، كلها كذب‏:‏هل يجوز ذلك‏؟‏

/فأجاب‏:‏

أما المتحدث بأحاديث مفتعلة ليضحك الناس، أو لغرض آخر، فإنه عاص لله ورسوله، وقد روى بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏‏(‏إن الذي يحدث فيكذب ليضحك القوم، ويل له، ويل له، ثم ويل له‏)‏ وقد قال ابن مسعود‏:‏إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يعد أحدكم صبيه شيئا ثم لا ينجزه‏.‏ وأما إن كان في ذلك ما فيه عدوان على مسلم وضرر في الدين، فهو أشد تحريمًا من ذلك‏.‏ وبكل حال ففاعل ذلك مستحق للعقوبة الشرعية التي تردعه عن ذلك‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وقال شيخ ـ الإسلام رحمه الله‏:‏

فصل

التشبه بالبهائم في الأمور المذمومة في الشرع مذموم، منهي عنه، في أصواتها، وأفعالها، ونحو ذلك مثل‏:‏أن ينبح نبيح الكلاب، أو ينهق نهيق الحمير، ونحو ذلك؛ وذلك لوجوه‏:‏

أحدها‏:‏أنا قررنا في اقتضاء الصراط المستقيم نهى الشارع عن التشبه بالآدميين الذين جنسهم ناقص كالتشبه، بالأعراب، وبالأعاجم، وبأهل الكتاب ونحو ذلك في أمور من خصائصهم، وبينا أن من أسباب ذلك / أن المشابهة تورث مشابهة الأخلاق، وذكرنا أن من أكثر عشرة بعض الدواب اكتسب من أخلاقها، كالكلابين، والجمالين‏.‏ وذكرنا ما في النصوص من ذم أهل الجفاء وقسوة القلوب أهل الإبل، ومن مدح أهل الغنم، فكيف يكون التشبه بنفس البهائم فيما هي مذمومة‏؟‏ ‏!‏ بل هذه القاعدة تقتضي بطريق التنبيه النهي عن التشبه بالبهائم مطلقًا فيما هو من خصائصها، وإن لم يكن مذمومًا بعينه؛ لأن ذلك يدعو إلى فعل ما هو مذموم بعينه؛ إذ من المعلوم أن كون الشخص أعرابيًا أو عجميًا خير من كونه كلبًا أو حمارًا أو خنزيرًا، فإذا وقع النهي عن التشبه بهذا الصنف من الآدميين في خصائصه؛ لكون ذلك تشبهًا فيما يستلزم النقص، ويدعو إليه، فالتشبه بالبهائم فيما هو من خصائصها أولى أن يكون مذمومًا ومنهيًا عنه‏.‏

الوجه الثاني‏:‏أن كون الإنسان مثل البهائم مذموم، قال تعالى‏:‏‏{‏وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏179‏]‏‏.‏

الوجه الثالث‏:‏أن الله ـ سبحانه ـ إنما شبه الإنسان بالكلب والحمار ونحوهما في معرض الذم له كقوله‏:‏‏{‏فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عليه يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏176، 177‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا‏}‏ الآية ‏[‏الجمعة‏:‏5‏]‏‏.‏ وإذا كان التشبه بها إنما كان على وجه الذم من غير أن يقصد المذموم التشبه بها، فالقاصد أن يتشبه بها أولى أن يكون مذمومًا، لكن إن كان تشبه بها في عين ما ذمه الشارع، صار مذمومًا من وجهين‏.‏ وإن كان فيما لم يذمه بعينه‏:‏صار مذمومًا من جهة التشبه المستلزم للوقوع في المذموم بعينه‏.‏ يؤيد هذا‏:‏

الوجه الرابع‏:‏وهو قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح‏:‏‏(‏العائد في هبته كالعائد في قيئه، ليس لنا مثل السوء‏)‏؛ ولهذا يذكر‏:‏أن الشافعي وأحمد تناظرا في هذه المسألة، فقال له الشافعي‏:‏الكلب ليس بمكلف‏.‏ فقال له أحمد‏:‏ليس لنا مثل السوء‏.‏ وهذه الحجة في نفس الحديث؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر هذا المثل إلا ليبين أن الإنسان إذا شابه الكلب كان مذمومًا، وإن لم يكن الكلب مذمومًا في ذلك من جهة التكليف؛ ولهذا ليس لنا مثل السوء‏.‏ والله ـ سبحانه ـ قد بين بقوله‏:‏‏{‏سَاء مَثَلاً‏}‏ أن التمثيل بالكلب مثل سوء، والمؤمن منزه عن مثل السوء‏.‏ فإذا كان له مثل سوء من الكلب كان مذمومًا بقدر ذلك المثل السوء‏.‏

الوجه الخامس‏:‏أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏‏(‏إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب‏)‏ وقال‏:‏‏(‏إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، وإذا / سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطانًا‏)‏ فدل ذلك على أن أصواتها مقارنة للشياطين، وإنها منفرة للملائكة‏.‏ ومعلوم أن المشابه للشيء لابد أن يتناوله من أحكامه بقدر المشابهة، فإذا نبح نباحها كان في ذلك من مقارنة الشياطين وتنفير الملائكة بحسبه‏.‏ وما يستدعى الشياطين، وينفر الملائكـة، لا يبـاح إلا لضـرورة، ولهذا لم يبح اقتناء الكلـب إلا لضـرورة؛ لجلـب منفعة ـ كالصيد أو دفع مضرة عن الماشية والحرث ـ حتى قال صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏من اقتنى كلبًا إلا كلب ماشية أو حرث أو صيد، نقص من عمله كل يوم قيراط‏)‏‏.‏

وبالجملة فالتشبه بالشىء يقتضى من الحمد والذم بحسب الشبه، لكن كون المشبه به غير مكلف لا ينفي التكليف عن المتشبه، كما لو تشبه بالأطفال والمجانين‏.‏ والله ـ سبحانه ـ أعلم‏.‏

الوجه السادس‏:‏أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال‏)‏؛ وذلك لأن الله خلق كل نوع من الحيوان، وجعل صلاحه وكماله في أمر مشترك بينه وبين غيره، وبين أمر مختص به‏.‏ فأما الأمور المشتركة فليست من خصائص أحد النوعين؛ ولهذا لم يكن من مواقع النهى، وإنما مواقع النهى الأمور المختصة‏.‏ فإذا كانت الأمور التي هى من خصائص النساء ليس للرجال التشبه بهن فيها، والأمور التي هي من خصائص الرجال ليس / للنساء التشبه بهم فيها، فالأمور التي هي من خصائص البهائم لا يجوز للآدمي التشبه بالبهائم فيها بطريق الأولى والأحرى؛ وذلك لأن الإنسان بينه وبين الحيوان قدر جامع مشترك، وقدر فارق مختص ثم الأمر المشترك ـ كالأكل، والشرب، والنكاح، والأصوات، والحركات ـ لما اقترنت بالوصف المختص كان للإنسان فيها أحكام تخصه، ليس له أن يتشبه بما يفعله الحيوان فيها‏.‏ فالأمور المختصة به أولى، مع أنه في الحقيقة لا مشترك بينه وبينها، ولكن فيه أوصاف تشبه أوصافها من بعض الوجوه‏.‏ والقدر المشترك إنما وجوده في الذهن، لا في الخارج‏.‏

وإذا كان كذلك فالله ـ تعالى ـ قد جعل الإنسان مخالفًا بالحقيقة للحيوان، وجعل كماله وصلاحه في الأمور التي تناسبه، وهي جميعها لا يماثل فيها الحيوان، فإذا تعمد مماثلة الحيوان، وتغيير خلق الله، فقد دخل في فساد الفطرة والشرعة، وذلك محرم‏.‏ والله أعلم‏.‏

وقال ـ رحمه الله‏:‏

 فصل

قوله‏:‏‏{‏فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏34‏]‏، يقتضي وجوب طاعتها لزوجها مطلقًا ـ من خدمة، وسفر معه، وتمكين له، وغير ذلك ـ كما / دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الجبل الأحمر وفي السجود وغير ذلك، كما تجب طاعة الأبوين‏.‏ فإن كل طاعة كانت للوالدين انتقلت إلى الزوج، ولم يبق للأبوين عليها طاعة، تلك وجبت بالأرحام، وهذه وجبت بالعهود، كما سنقرر إن شاء الله هذين الأصلين العظيمين‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله ـ عن امرأة تزوجت، وخرجت عن حكم والديها، فأيهما أفضل‏:‏برها لوالديها، أو مطاوعة زوجها‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد رب العالمين، المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب، قال الله تعالى‏:‏‏{‏فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏34‏]‏، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏‏(‏الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة؛ إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك‏)‏، وفي صحيح ابن أبي حاتم، عن أبي هريرة، قال‏:‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت‏)‏، وفي الترمذي عن أم سلمة، قالت‏:‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت /الجنة‏)‏، وقال الترمذي‏:‏حديث حسن، وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏‏(‏لو كنت آمرًا لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها‏)‏‏.‏ أخرجه الترمذي، وقال‏:‏حديث حسن، وأخرجه أبو داود، ولفظه‏:‏‏(‏لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، لما جعل الله لهم عليهن من الحقوق‏)‏‏.‏ وفي المسند عن أنس‏:‏أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏‏(‏لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تجري بالقيح والصديد، ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه‏)‏‏!‏ وفي المسند وسنن ابن ماجه، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏‏(‏لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أن رجلاً أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر، لكان لها أن تفعل‏)‏، أي لكان حقها أن تفعل‏.‏

وكذلك في المسند، وسنن ابن ماجه، وصحيح ابن حبان، عن عبد الله بن أبي أوفي، قال‏:‏لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏‏(‏ما هذا يا معاذ‏؟‏‏)‏ قال‏:‏أتيت الشام فوجدتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏لا تفعلوا ذلك، فإني لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله لأمرت / المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه‏)‏، وعن طلق بن على قال‏:‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏أيما رجل دعا زوجته لحاجته فلتأته ولو كانت على التنور‏)‏ رواه أبو حاتم في صحيحه والترمذي، وقال‏:‏حديث حسن، وفي الصحيح عن أبي هريرة قال‏:‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجىء، فبات غضبانا عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح‏)‏‏.‏ والأحاديث في ذلك كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال زيد بن ثابت‏:‏الزوج سيد في كتاب الله، وقرأ قوله تعالى‏:‏‏{‏وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْباب‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏25‏]‏‏.‏ وقال عمر بن الخطاب‏:‏النكاح رق فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته‏.‏ وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏‏(‏استوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عندكم عوان‏)‏، فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق والأسير، فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة‏.‏

وإذا أراد الرجل أن ينتقل بها إلى مكان آخر مع قيامه بما يجب عليه وحفظ حدود الله فيها ونهاها أبوها عن طاعته في ذلك، فعليها أن تطيع زوجها دون أبويها؛ فإن الأبوين هما ظالمان، ليس لهما أن ينهاياها عن طاعة مثل هذا الزوج، وليس لها أن تطيع أمها فيما تأمرها به من الاختلاع منه أو مضاجرته حتى يطلقها، مثل أن تطالبه من النفقة والكسوة والصداق بما / تطلبه ليطلقها، فلا يحل لها أن تطيع واحدًا من أبويها في طلاقه إذا كان متقيًا لله فيها‏.‏ ففي السنن الأربعة وصحيح ابن أبي حاتم عن ثوبان قال‏:‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة‏)‏‏.‏ وفي حديث آخر‏:‏‏(‏المختلعات والمنتزعات هن المنافقات‏)‏‏.‏ وأما إذا أمرها أبواها أو أحدهما بما في طاعة الله ـ مثل المحافظة على الصلوات، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، ونهوها عن تبذير مالها وإضاعته، ونحو ذلك مما أمر الله ورسوله أو نهاها الله ورسوله عنه، فعليها أن تطيعهما في ذلك، ولو كان الأمر من غير أبويها، فكيف إذا كان من أبويها‏؟‏ ‏!‏

وإذا نهاها الزوج عما أمر الله، أو أمرها بما نهى الله عنه، لم يكن لها أن تطيعه في ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏‏(‏إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‏)‏، بل المالك لو أمر مملوكه بما فيه معصية لله لم يجز له أن يطيعه في معصية، فكيف يجوز أن تطيع المرأة زوجها أو أحد أبويها في معصية‏؟‏ ‏!‏ فإن الخير كله في طاعة الله ورسوله، والشر كله في معصية الله ورسوله‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن رجل له زوجة أسكنها بين ناس مناجيس، وهو يخرج بها إلى الفرج، وإلى أماكن الفساد، ويعاشر مفسدين‏.‏ فإذا قيل له‏:‏انتقل من هذا المسكن السوء، فيقول‏:‏أنا زوجها، ولي الحكم في امرأتي، ولي السكنى‏.‏ فهل له ذلك‏؟‏

/فأجاب‏:‏

الحمد لله رب العالمين، ليس له أن يسكنها حيث شاء، ولا يخرجها إلى حيث شاء، بل يسكن بها في مسكن يصلح لمثلها، ولا يخرج بها عند أهل الفجور، بل ليس له أن يعاشر الفجار على فجورهم، ومتى فعل ذلك وجب أن يعاقب عقوبتين ـ عقوبة على فجوره بحسب ما فعل، وعقوبة على ترك صيانة زوجته وإخراجها إلى أماكن الفجور، فيعاقب على ذلك عقوبة تردعه وأمثاله عن مثل ذلك‏.‏ والله أعلم‏.‏

وقال ـ رحمه الله تعالى‏:‏

 فصل

وأما ‏(‏إتيان النساء في أدبارهن‏)‏، فهذا محرم عند جمهور السلف والخلف كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة، وهو المشهور في مذهب مالك‏.‏ وأما القول الآخر بالرخصة فيه‏:‏فمن الناس من يحكيه رواية عن مالك، ومنهم من ينكر ذلك‏.‏ ونافع نقل عن ابن عمر أنه لما قرأ عليه‏:‏‏{‏نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏223‏]‏، قال له ابن عمر‏:‏إنها نزلت في إتيان النساء في أدبارهن‏.‏ فمن الناس من يقول غلط نافع على ابن عمر، أو لم يفهم مراده، وكان مراده‏:‏أنها نزلت في إتيان النساء من جهة الدبر في القبل؛ فإن الآية نزلت في ذلك باتفاق العلماء، وكانت / اليهود تنهى عن ذلك، وتقول‏:‏إذا أتى الرجل المرأة في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فأنزل الله هذه الآية‏.‏ ‏[‏والحرث‏]‏ موضع الولد، وهو القبل‏.‏ فرخص الله للرجل أن يطأ المرأة في قبلها من أي الجهات شاء‏.‏

وكان سالم بن عبد الله بن عمر يقول‏:‏كذب العبد على أبي، وهذا مما يقوي غلط نافع على ابن عمر، فإن الكذب كانوا يطلقونه بإزاء الخطأ، كقول عبادة‏:‏كذب أبو محمد‏.‏ لما قال‏:‏الوتر واجب‏.‏ وكقول ابن عباس‏:‏كذب نوف‏:‏قال‏:‏لما قال صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل‏.‏

ومن الناس من يقول‏:‏ابن عمر هو الذي غلط في فهم الآية‏.‏ والله أعلم أي ذلك كان، لكن نقل عن ابن عمر أنه قال‏.‏ أو يفعل هذا مسلم‏؟‏ ‏!‏ لكن بكل حال معنى الآية هو ما فسرها به الصحابة والتابعون، وسبب النزول يدل على ذلك‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل ينكح زوجته في دبرها‏:‏أحلال هو، أم حرام‏؟‏

فأجاب‏:‏

وطء المرأة في دبرها حرام بالكتاب والسنة، وهو قول جماهير السلف والخلف، بل هو اللوطية الصغرى، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏‏(‏إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في / أدبارهن‏)‏‏.‏ وقد قال تعالى‏:‏‏{‏نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏223‏]‏ ‏[‏والحرث‏]‏ هو موضع الولد؛ فإن الحرث هو محل الغرس والزرع‏.‏ وكانت اليهود تقول‏:‏إذا أتى الرجل امرأته من دبرها جاء الولد أحول، فأنزل الله هذه الآية، وأباح للرجل أن يأتي امرأته من جميع جهاتها، لكن في الفرج خاصة‏.‏ ومتى وطئها في الدبر وطاوعته عزرا جميعًا، فإن لم ينتهيا وإلا فرق بينهما، كما يفرق بين الرجل الفاجر ومن يفجر به‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عما يجب على من وطئ زوجته في دبرها‏؟‏ وهل أباحه أحد من العلماء‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله رب العالمين، ‏[‏الوطء في الدبر‏]‏ حرام في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك عامة أئمة المسلمين، من الصحابة، والتابعين، وغيرهم ـ فإن الله قال في كتابه‏:‏‏{‏نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ‏}‏، وقد ثبت في الصحيح‏:‏إن اليهود كانوا يقولون‏:‏إذا أتى الرجل امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول، فسأل المسلمون عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية‏:‏‏{‏نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ‏}‏‏.‏ والحرث‏:‏موضع الزرع، والولد إنما يزرع في الفرج؛ لا في الدبر ‏{‏فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ‏}‏ ـ وهو موضع الولد ـ ‏{‏أَنَّى شِئْتُمْ‏}‏ أي‏:‏من أين شئتم‏:‏من قبلها، ومن دبرها، وعن يمينها، وعن شمالها‏.‏ فالله تعالى سمى النساء حرثًا، وإنما رخص في إتيان الحروث، والحرث إنما يكون /في الفرج‏.‏ وقد جاء في غير أثر‏:‏أن الوطء في الدبر هو اللوطية الصغرى، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏‏(‏إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في حشوشهن‏)‏ والحش هو الدبر، وهو موضع القذر والله ـ سبحانه ـ حرم إتيان الحائض، مع أن النجاسة عارضة في فرجها، فكيف بالموضع الذي تكون فيه النجاسة المغلظة‏؟‏ ‏!‏

وأيضًا، فهذا من جنس اللواط، ومذهب أبي حنيفة وأصحاب الشافعي وأحمد وأصحابه أن ذلك حرام لا نزاع بينهم، وهذا هو الظاهر من مذهب مالك وأصحابه، لكن حكى بعض الناس عنهم رواية أخرى بخلاف ذلك، ومنهم من أنكر هذه الرواية وطعن فيها‏.‏

وأصل ذلك ما نقل عن نافع أنه نقله عن ابن عمر، وقد كان سالم بن عبد الله يكذب نافعًا في ذلك‏.‏ فأما أن يكون نافع غلط، أو غلط من هو فوقه‏.‏ فإذا غلط بعض الناس غلطة لم يكن هذا مما يسوغ خلاف الكتاب والسنة كما أن طائفة غلطوا في إباحة الدرهم بالدرهمين، واتفق الأئمة على تحريم ذلك لما جاء في ذلك من الأحاديث الصحيحة، وكذلك طائفة غلطوا في أنواع من الأشربة‏.‏ ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏‏(‏كل مسكر خمر، وكل خمر حرام‏)‏، وأنه

سئل عن أنواع من الأنبذة، فقال‏:‏‏(‏كل مسكر حرام‏)‏، ‏(‏ما أسكر كثيره فقليله حرام‏)‏، وجب اتباع هذه السنن الثابتة، ولهذا نظائر في الشريعة‏.‏ ومن وطئ امرأته في دبرها وجب أن يعاقبا على ذلك عقوبة تزجرهما، فإن علم أنهما لا ينزجران، فإنه يجب التفريق بينهما‏.‏ والله أعلم‏.‏

/ باب القسم بين الزوجات

 وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن رجل متزوج بامرأتين، وإحداهما يحبها، ويكسوها، ويعطيها ويجتمع بها أكثر من صاحبتها ‏.‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، يجـب عليه العـدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين‏.‏ وفي السنن الأربعة عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏‏(‏من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل‏)‏‏.‏ فعليه أن يعدل في القسم‏.‏ فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثًا بات عند الأخرى بقدر ذلك، ولا يفضل إحداهما في القسم، لكن إن كان يحبها أكثر، ويطأها أكثر، فهذا لا حرج عليه فيه، وفيه أنزل اللّه تعالى‏:‏‏{‏وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏129‏]‏، أي‏:‏في الحب والجماع، وفي السنن الأربعة عن عائشة قالت‏:‏كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقسم ويعدل، فيقول‏:‏‏(‏هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك‏)‏، يعني‏:‏القلب‏.‏

/وأما العدل في النفقة، والكسوة، فهو السنة أيضا، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة، كما كان يعدل في القسمة، مع تنازع الناس في القسم‏:‏هل كان واجبا عليه أو مستحبا له‏؟‏ وتنازعوا في العدل في النفقة‏:‏هل هو واجب أو مستحب‏؟‏ ووجوبه أقوى، وأشبه بالكتاب والسنة‏.‏

وهذا العدل مأمور به مـا دامت زوجة، فإن أراد أن يطلق إحداهما فله ذلك، فإن اصطلح هو والتي يريد طلاقها على أن تقيم عنده بلا قسم وهي راضية بذلك جاز، كما قال تعالى‏:‏‏{‏وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عليهمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏128‏]‏، وفي الصحيح عن عائشة قالت‏:‏أنزلت هذه الآية في المرأة تكون عند الرجل، فتطول صحبتها، فيريد طلاقها، فتقول‏:‏لا تطلقني، وأمسكني، وأنت في حل من يومي، فنزلت هذه الآية‏.‏ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يطلق سودة، فوهبت يومها لعائشة، فأمسكها بلا قسمة، وكذلك رافع بن خديج جرى له نحو ذلك، ويقال إن الآية أنزلت فيه‏.‏

 وسئل ـ رحمه اللّه ـ عن رجل له امرأتان، ويفضل إحداهما على الأخرى في النفقة وسائر الحقوق، حتى إنه هجرها‏:‏فما يجب عليه‏؟‏

/فأجاب‏:‏

يجب عليه أن يعدل بين المرأتين، وليس له أن يفضل إحداهما في القسم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏‏(‏من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما أكثر من الأخرى، جاء يوم القيامة وشقه مائل‏)‏‏.‏ وإن لم يعدل بينهما، فإما أن يمسك بمعروف، وإما أن يسرح بإحسان‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

 وسئل ـ رحمه اللّه ـ عن الرجل إذا صبر على زوجته الشهر والشهرين لا يطؤها‏:‏فهل عليه إثم أم لا‏؟‏ وهل يطالب الزوج بذلك‏؟‏

فأجاب‏:‏

يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه، أعظم من إطعامها‏.‏

والوطء الواجب قيل‏:‏إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة‏.‏ وقيل‏:‏بقدر حاجتها وقدرته‏.‏ كما يطعمها بقدر حاجتها وقدرته‏.‏ وهذا أصح القولين‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رحمه اللّه ـ عن امرأة تضع معها دواء عند المجامعة، تمنع بذلك نفوذ المنى في مجارى الحبل‏:‏فهل ذلك جائز حلال أم لا‏؟‏

وهل إذا بقى ذلك الدواء معها بعد الجماع ولم يخرج‏.‏ يجوز لها الصلاة والصوم بعد الغسل أم لا‏؟‏

/فأجاب‏:‏

أما صومها وصلاتها فصحيحة وإن كان ذلك الدواء في جوفها‏.‏ وأما جواز ذلك ففيه نزاع بين العلماء، والأحوط‏:‏أنه لا يفعل‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رحمه اللّه ـ عما إذا نظر الرجل إلى جميع بدن امرأته، ولمسه، حتى الفرج‏:‏عليه شيء، أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

لا يحرم على الرجل النظر إلى شيء من بدن امرأته، ولا لمسه، لكن يكره النظر إلى الفرج‏.‏ وقيل‏:‏لا يكره‏.‏ وقيل‏:‏لا يكره إلا عند الوطء‏.‏

 وسئل ـ رحمه اللّه ـ عن امرأة مطلقة وهي ترضع، وقد آجرت لبنها، ثم انقضت عدتها وتزوجت‏:‏فهل للمستأجر أن يمنعها أن تدخل على زوجها خشية أن تحمل منه فيقل اللبن على الولد‏؟‏

فأجاب‏:‏

أما مجرد الشك فلا يمنع الزوج ما يستحقه من الوطء، لا سيما وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏‏(‏لقد هممت أن أنهى عن / ذلك، ثم ذكرت أن فارس والروم يفعلون ذلك فلا يضر أولادهم‏)‏، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم‏:‏أنهم يفعلون ذلك فلا يضر الأولاد، ولم ينه عنه‏.‏ وإذا كان كذلك لم يجز منع الزوج حقه إذا لم يكن فيه منع الحق السابق المستحق بعقد الإجارة‏.‏

 وسئل ـ رحمه اللّه تعالى ـ عن الأب إذا كان عاجزاً عن أجرة الرضاع‏:‏فهل له إذا امتنعت الأم عن الإرضاع إلا بأجرة أن يسترضع غيرها‏؟‏

فأجاب‏:‏

نعم، لأنه لا يجب عليه ما لا يقدر عليه‏.‏

 وسئل شيخ الإسلام ـ رَحِمهُ اللّه ـ عمن تسلط عليه ثلاثة‏:‏الزوجة، والقط، والنمل‏:‏الزوجة ترضع من ليس ولدها، وتنكد عليه حاله وفراشه بذلك، والقط يأكل الفراريج، والنمل يدب في الطعام‏:‏فهل لهم حرق بيوتهم بالنار أم لا‏؟‏ وهل يجوز لهم قتل القط‏؟‏ وهل لهم منع الزوجة من إرضاعها‏؟‏

فأجاب‏:‏

ليس للزوجة أن ترضع غير ولدها إلا بإذن الزوج‏.‏ والقط إذا صال على ماله، فله دفعه عن الصول ولو بالقتل، وله أن يرميه بمكان بعيد؛ فإن لم يمكن دفع ضرره إلا بالقتل قتل‏.‏ وأما النمل‏:‏فيدفع ضرره بغير التحريق‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

/ باب النشوز

 سئل شيخ الإسلام ـ رَحِمهُ اللّه ـ عن رجل له زوجة، تصوم النهار وتقوم الليل، وكلما دعاها الرجل إلى فراشه تأبى عليه، وتقدم صلاة الليل وصيام النهار على طاعة الزوج‏:‏فهل يجوز ذلك‏؟‏

فأجاب‏:‏

لا يحل لها ذلك باتفاق المسلمين، بل يجب عليها أن تطيعه إذا طلبها إلى الفراش، وذلك فرض واجب عليها‏.‏ وأما قيام الليل وصيام النهار فتطوع، فكيف تقدم مؤمنة للنافلة على الفريضة‏؟‏ ‏!‏ حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة‏:‏أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏‏(‏لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه‏)‏‏.‏ ورواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما، ولفظهم‏:‏‏(‏لا تصوم امرأة وزوجها شاهد يوما من غير رمضان إلا بإذنه‏)‏‏.‏ فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حرم على المرأة أن تصوم تطوعا إذا كان زوجها شاهدا إلا بإذنه، فتمنع بالصوم بعض ما يجب له عليها‏:‏/ فكيف يكون حالها إذ طلبها فامتنعت‏؟‏ ‏!‏ وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏إذا دعا الرجل المرأة إلى فراشه فأبت، لعنتها الملائكة حتى تصبح‏)‏‏.‏ وفي لفظ‏:‏‏(‏إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى تصبح‏)‏‏.‏ وقد قال اللّه تعالى‏:‏‏{‏فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏34‏]‏، فالمرأة الصالحة هي التي تكون قانتة أي‏:‏مداومة على طاعة زوجها‏.‏ فمتى امتنعت عن إجابته إلى الفراش كانت عاصية ناشزة، وكان ذلك يبيح له ضربها كما قال تعالى‏:‏‏{‏وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عليهنَّ سَبِيلاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏34‏]‏‏.‏

وليس على المرأة بعد حق اللّه ورسوله أوجب من حق الزوج، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏لو كنت آمراً لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة تسجد لزوجها؛ لعظم حقه عليها‏)‏‏.‏ وعنه صلى الله عليه وسلم أن النساء قلن له‏:‏إن الرجال يجاهدون، ويتصدقون، ويفعلون، ونحن لا نفعل ذلك‏.‏ فقال‏:‏‏(‏حسن فعل أحدكن يعدل ذلك‏)‏ أي‏:‏أن المرأة اذا أحسنت معاشرة بعلها كان ذلك موجبا لرضاء اللّه وإكرامه لها، من غير أن تعمل ما يختص بالرجال‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

/ وسئل ـ رحمه اللّه تعالى ـ عن رجل حلف على زوجته، وقال‏:‏لأهجرنك إن كنت ما تصلين فامتنعت من الصلاة ولم تصل، وهجر الرجل فراشها‏:‏فهل لها على الزوج نفقة أم لا‏؟‏ وماذا يجب عليها إذا تركت الصلاة‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد للّه، إذا امتنعت من الصلاة، فإنها تستتاب فإن تابت وإلا قتلت‏.‏ وهجر الرجل على ترك الصلاة من أعمال البر التي يحبها اللّه ورسوله، ولا نفقة لها إذا امتنعت من تمكينه إلا مع ترك الصلاة‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

 وسئل ـ رحمه اللّه ـ عمن له زوجة لا تصلى‏:‏هل يجب عليه أن يأمرها بالصلاة‏؟‏ وإذا لم تفعل‏:‏هل يجب عليه أن يفارقها، أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

نعم عليه أن يأمرها بالصلاة، ويجب عليه ذلك، بل يجب عليه أن يأمر بذلك كل من يقدر على أمره به إذا لم يقم غيره بذلك، وقد قال / تعالى‏:‏‏{‏وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عليها‏}‏ الآية ‏[‏طه‏:‏132‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ‏}‏ الآية ‏[‏التحريم‏:‏6‏]‏‏.‏ وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏‏(‏علموهم وأدبوهم‏)‏‏.‏

وينبغى مع ذلك الأمر أن يحضها على ذلك بالرغبة، كما يحضها على ما يحتاج إليها، فإن أصرت على ترك الصلاة فعليه أن يطلقها، وذلك واجب في الصحيح‏.‏ وتارك الصلاة مستحق للعقوبة حتى يصلى باتفاق المسلمين، بل إذا لم يصل قتل‏.‏ وهل يقتل كافراً مرتداً‏؟‏ على قولين مشهورين‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

 وسئل ـ رَحمه اللّه تعالى ـ عن قوله تعالى‏:‏‏{‏وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏34‏]‏، وفي قوله تعالى‏:‏‏{‏وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا‏}‏ إلى قوله تعالى‏:‏‏{‏وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏11‏]‏، يبين لنا شيخنا هذا النشوز من ذاك‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد للّه رب العالمين، النشوز في قوله تعالى‏:‏‏{‏تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏34‏]‏، هو أن تنشز عن زوجها فتنفر عنه بحيث لا تطيعه إذا دعاها للفراش، أو تخرج من منزله بغير إذنه، ونحو ذلك مما فيه امتناع عما يجب عليها من طاعته‏.‏

/وأما النشوز في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏11‏]‏، فهو النهوض والقيام والارتفاع‏.‏ وأصل هذه المادة هو الارتفاع والغلظ، ومنه النشز من الأرض، وهو المكان المرتفع الغليظ‏.‏ ومنه قوله تعالى‏:‏‏{‏وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏259‏]‏، أى نرفع بعضها إلى بعض‏.‏ ومن قرأ ننشرها أراد نحييها‏.‏ فسمى المرأة العاصية ناشزاً لما فيها من الغلظ والارتفاع عن طاعة زوجها، وسمى النهوض نشوزاً لأن القاعد يرتفع من الأرض‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

 وسئل ـ رَحمه اللّه ـ عن رجل له زوجة، وهي ناشز تمنعه نفسها‏:‏فهل تسقط نفقتها وكسوتها وما يجب عليها‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد للّه، تسقط نفقتها وكسوتها إذا لم تمكنه من نفسها، وله أن يضربها إذا أصرت على النشوز، ولا يحل لها أن تمنع من ذلك إذا طالبها به، بل هي عاصية للّه ورسوله، وفي الصحيح‏:‏‏(‏إذا طلب الرجل المرأة إلى فراشه فأبت عليه كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى تصبح‏)‏‏.‏

/ وسئل شيخ الإسلام ـ رَحمِهُ اللّه ـ عن رجل له امرأة، وقد نشزت عنه في بيت أبيها من مدة ثمانية شهور، ولم ينتفع بها‏؟‏

فأجاب‏:‏

إذا نشزت عنه فلا نفقة لها، وله أن يضربها إذا نشزت، أو آذته، أو اعتدت عليه‏.‏

 وسئل ـ رَحمه اللّه ـ عما يجب على الزوج إذا منعته من نفسها إذا طلبها‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، لا يحل لها النشوز عنه، ولا تمنع نفسها منه، بل إذا امتنعت منه وأصرت على ذلك فله أن يضربها ضربا غير مبرح، ولا تستحق نفقة ولا قسما‏.‏

 وسئل عمن تزوج بامرأة ودخل بها، وهو مستمر في النفقة، وهي ناشز‏.‏ ثم إن والدها أخذها وسافر من غير إذن الزوج، فماذا يجب عليهما‏؟‏

/فأجاب‏:‏

الحمد لله، إذا سافر بها بغير إذن الزوج فإنه يعزر على ذلك‏.‏ وتعزر الزوجة إذا كان التخلف يمكنها، ولا نفقة لها من حين سافرت‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

 وسئل ـ رَحمه اللّه تعالى ـ عن رجل تزوج امرأة من مدة إحدى عشرة سنة، وأحسنت العشرة معه، وفي هذا الزمان تأبى العشرة معه، وتناشزه‏:‏فما يجب عليها‏؟‏

فأجاب‏:‏

لا يحل لها أن تنشز عليه ولا تمنع نفسها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى تصبح‏)‏ فإذا أصرت على النشوز فله أن يضربها، وإذا كانت المرأة لا تقوم بما يجب للرجل عليها فليس عليه أن يطلقها ويعطيها الصداق، بل هي التي تفتدى نفسها منه، فتبذل صداقها ليفارقها، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قيس بن شماس ‏(‏أن يعطي صداقها فيفارقها‏)‏‏.‏ وإذا كان معسراً بالصداق لم تجز مطالبته بإجماع المسلمين‏.‏

 وسئل ـ رَحمه اللّه ـ عن رجل تزوج بامرأة ما ينتفع بها ولا تطاوعه في أمر، وتطلب منه نفقة وكسوة، وقد ضيقت عليه أموره‏:‏فهل تستحق عليه نفقة وكسوة‏؟‏

/فأجاب‏:‏

إذا لم تمكنه من نفسها أو خرجت من داره بغير إذنه فلا نفقة لها ولا كسوة، وكذلك إذا طلب منها أن تسافر معه فلم تفعل فلا نفقة لها ولا كسوة، فحيث كانت ناشزاً عاصية له فيما يجب له عليها من طاعته، لم يجب لها نفقة ولا كسوة‏.‏

 وسئل ـ رَحمه اللّه تعالى ـ عن امرأة متزوجة برجل، ولها أقارب كلما أرادت أن تزورهم أخذت الفراش، وتقعد عندهم عشرة أيام وأكثر، وقد قربت ولادتها، ومتى ولدت عندهم لم يمكن أن تجيء إلى بيتها إلا بعد أيام، ويبقى الزوج بردان‏:‏فهل يجوز لهم أن يخلوها تلد عندهم‏؟‏

فأجاب‏:‏

لا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذنه، ولا يحل لأحد أن يأخذها إليه ويحبسها عن زوجها، سواء كان ذلك لكونها مرضعاً، أو لكونها قابلة، أو غير ذلك من الصناعات، وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه كانت ناشزة عاصية للّه ورسوله، ومستحقة للعقوبة‏.‏